Online: | |
Visits: | |
Stories: |
Story Views | |
Now: | |
Last Hour: | |
Last 24 Hours: | |
Total: |
ليس بالغريب على الفلسطيني ان يشعر بانه ما زال يعيش تحت الاحتلال وان منظومة ما يسمى بالدولة الفلسطينية هي فقط عبارة عن نظام خدمات مؤسساتي يهدف لخدمة المواطن الفلسطيني بدون أي استقلال حقيقي او حرية. عندما كانت إسرائيل تواجه ازمة الانتفاضة الأولى لم تكن فعليا تواجه دولة او قوى عظمى على ارض الواقع وانما نجاح الفكر الثوري الفلسطيني بالوصول لكل بيت فلسطيني في الأراضي المحتلة وأيضا الى بيوت العالم انطلاقا من مبدأ ضرورة إعطاء الحرية والحقوق للشعب الفلسطيني. وعند التخطيط لإيجاد ما يمكن استخدامه ضد الفكر الثوري الفلسطيني وجدت إسرائيل ان أفضل الطرق هي مهاجمة الفكر بالفكر واستبداله بما يمكن ان يعطيها استراحة من المواجهة المستمرة مع الشعب الفلسطيني في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكانت اتفاقية أوسلو التي تأسست بعدها السلطة الوطنية الفلسطينية التي كانت من المفروض ان تكون كيان مؤقت حتى قيام دولة فلسطين. الحكم الذاتي ان ذاك كان يعتبر انجاز وطني مهم يعطي الفلسطيني حقه بحكم نفسه حتى الوصول الى الدولة كاملة السيادة والحرية للشعب بأكمله. خططت إسرائيل منذ البداية ان لا تعطي الفلسطيني أي شيء أكثر من حكم ذاتي يدير الشؤون المدنية والمؤسسية له للتخلص من المسؤوليات التي كانت على إسرائيل حسب القانون الدولي ولم يكن في نية الاحتلال ابدا الوصول الى اتفاق يخرج عنه تأسيس دولة فلسطينية كاملة السيادة. جاءت فكرة الحكم الذاتي بالمنظور الإسرائيلي كجزء من عملية الاستيطان الفكري التي ارادت لها المؤسسة الصهيونية ان تتغلغل في المجتمع الفلسطيني. وان عدنا الى الانتفاضة الأولى سنجد ان التعبئة الوطنية الفلسطينية كانت في أفضل حالتها والفكر الوحيد الذي كان لدى القيادة والشعب الفلسطيني هو الفكر الثوري لتحرير الأرض وتحريرها فقط بدون التفكير بنوع الحكم وتوزيع السلطات. أراد الفكر الإسرائيلي ان يستوطن في عقل الفلسطيني لتحويل اهتمامه وفكره من فكر ثوري الى فكر دولة لم تأسس ولا يوجد أي نية إسرائيلية ان توافق على وجودها حتى اليوم. كان الهدف الإسرائيلي هو تحويل انتباه الفلسطيني من التركيز على العمل الثوري المستمر لتحرير الأرض والحصول على الدعم الدولي الكامل للحق الفلسطيني الى الانشغال بإدارة مؤسسات السلطة الفلسطينية والوزارات والخدمات الأساسية التي يحتاجها الشعب الفلسطيني ليستطيع ان يدبر أمور معيشته. ليس ذلك فقط بل ان عملية تشكيل المئات من اللجان والمجالس في البلدات والجامعات والاتحادات لدفع الفلسطيني الى الايمان بانه أصبح يعيش في حرية كاملة وعليه ان يبذل جهوده كلها في أمور التمثيل والانتخابات والتوظيف بدلا من استمرار النضال والكفاح بنفس الوتيرة العالية لتحرير الأرض التي ما زالت محتله. فكان التغير من الفكر الثوري الى فكر الدولة بمفهوم فلسطيني ان الدولة مجرد وقت وإصرار إسرائيلي ان المرحلة الحالية وهي إدارة الفلسطيني لأموره بدون حرية حقيقية او سيادة على الأرض هو أفضل ما يمكن تقديمه.
اما على صعيد فكر الدولة فربما قد نجحنا بإدارة امورنا إداريا واجتماعيا مقارنة بالشعوب الأخرى عند تأسيس اول حكم لها ولكننا فشلنا اقتصاديا ونوعا ما سياسيا حتى اللحظة في توظيف ما لدينا من اجل استكمال مشروع الثورة الفلسطينية في وجه الاحتلال الاسرائيلي.
لا بد من الاعتراف بان الحكم منقسم في كل من غزة والضفة فالأولى تحكمها حركة حماس والثانية تحكمها حركة فتح وكلا الحركتين وقعتا في الشرك الإسرائيلي ليعطوا كل اجتهادهم وقوتهم لإدارة أمور الشعب الحكومية والابتعاد عن البرامج الثورية التي يحملوها. هذه الإدارة الفلسطينية للأمور الفلسطينية تحولت من ان تكون الخطوة الأولى باتجاه الحرية الفلسطينية الى خدمة مجانية تقدم للاحتلال الإسرائيلي بينما يتمر في اغتصابه للأرض الفلسطينية وقمعه للشعب الفلسطيني.
القدس أصبحت خارج المعادلة وهي أفضل مثال عن كيفية إعادة احياء الفكر الثوري في كامل الأراضي الفلسطينية فلا يوجد فيها حكم ذاتي فلسطيني أي ان نظام فكر الدولة بمنظور إسرائيلي لم يطبق بها وما تبقى هو البعض من الفكر الثوري الذي ما زال موجود في عقل الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال وعلى تماس معه كل يوم. وهذا الامر هو ما ارادت إسرائيل التخلص منه في الضفة وغزة فهي لم تريد أي احتكاك مباشر مع الشعب الفلسطيني لن يكون في صالحها وسيعمل كمنشط لضرورة وانتشار الفكر الثوري الفلسطيني.
قد يكون الاستيطان الفكري الإسرائيلي قد نجح وما زال ينجح ولكن ما لم تأخذه إسرائيل بالحسبان هو إمكانية ان يتحول الفكر الثوري الفلسطيني الى فكر فردي احتياجي يبحث عن ابسط الحقوق ومتطلبات الحياة الأساسية للعيش وهي حرية التنقل والعمل والتعبير عن الرأي وباقي حقوق الانسان الأساسية. النموذج الذي ارادت إسرائيل ان تبنيه ليحكم الشعب الفلسطيني بشكل غير مباشر قد بدأ فعليا بالانهيار لأنه صمم ليكون مؤقت وليس أبدى ولا يوجد لديه أي من اساسيات الحكم لينجح بالاستمرار. اما فشله فسيؤثر مباشرة على الفرد الفلسطيني بشكل شخصي وعندها سنشهد ولادة فكر ثوري من نوع اخر…فكر يأتي من الغريزة الإنسانية التي تبحث دائما عن الانتماء وإيجاد سبل الحياة.